إذا ما ستنطقنا العلاقة بين الحكام في بلادنا وبين شعوبهم سنجدها علاقة تتسم بالنفاق وفيها نظهر تجاه حكامنا غير ما نبطنه ويظهر حكامنا تجاهنا غير ما يبطنون ، فنحن نظهر تجاه حكامنا الولاء المنقطع النظير ونصفق لهم حتى تكاد أصابعنا أن تتكسر في الوقت الذي يهيج في صدورنا غضب عارم تجاههم لأننا حرمنا في عصرهم من أبسط مقومات العيش الكريم ، وفي الوقت الذي نعلم علم اليقين بمدى مساوئهم وخبث تصرفاتهم إلا أنه لم تبلغ بنا الجرأة والشجاعة أن نعلن ذلك لهم في وجوههم ، ولا أدري ما هو مبرر هذا الخوف المزروع والمستأصل في صدورنا ، فما الذي سيفعلونه بنا أكثر مما فعلوا وما الذي نتحاشى وقوعه أكثر مما وقع وإلى متى سنقر على الحكام أفعالهم ونحن نتلوى ألماً منها
فقط انوه هنا إلى أنه متى ما توفرت لدينا النية والإرادة للعبور في الطريق الصحيح فعلينا أن نعترف بأننا ننافق الحكام ونتملقهم ونظهر تجاههم غير ما نبطن ولا نجني منهم لقاء ذلك سوى جوراً على جور وفساداً على فساد واستهتاراً على استهتار لأنهم قل ما وجدوا من يصرخ في وجوههم:كفاكم فساداً وطغياناً وتجبراً على هذا الشعب البائس.
ولكي نخطو الخطوة الثانية للعبور في المسار الصحيح علينا الاعتراف بالواقع الذي نعيشه وإعطاء حكامنا المكانة التي يستحقونها بكل إنصاف وبالشكل الذي يتيح لنا رؤيتهم على حقيقتهم دون تلميع ومديح ونفاق ، مستشهدين بوقائع نراها كل يوم في حياتنا ونكتوي بنارها مع كل لحظة تمر .بدلاً من أيهام أنفسنا وإيهامهم بأننا راضين عن سياستهم ونحن في قرارة أنفسنا نبكي ألماً منها .
وجدير بالذكر بأن حكامنا أفلحوا في غرس ثقافة المبررات وصناعة الشماعات التي تثقل كاهلها بأخطائنا وأخطاء حكامنا فحين تستشري وتتكاثر الإخفاقات الاقتصادية والأمنية والسياسية في مجتمعنا سرعان ما نبحث لها عن شماعة نحملها عليها بدلاً من أن يحملها ويدان بها من تسبب فيها ولهذا وبهذه الطريقة فإننا نشارك بفاعلية في صنع مآسينا ،لأننا نشارك الظالمون ونناصرهم ونصفق لهم ونسترسل في مديحهم والإشادة بهم إلى الحد الذي يرضونه وأكثر .
حيث أنه من الملفت للنظر في واقع شعبنا الذي تمرس في جهله وتعمق فيه إنه حين نخفق في مجال من المجالات ،فإننا سرعان ما نعلقها على أقرب شماعة تمر بأذهاننا بدلاً من البحث في أسباب هذه المشاكل والإخفاقات ، ولو بحثنا وتحرينا دون مكابرة لربما وجدنا الأسباب نابعة من صميمنا بتبعيتنا المفرطة للسلطة تحركنا كيفما شاءت كأدوات بين يديها ليس إلا .
ومن أجل تدعيم رؤيتي بأمثلة أورد هنا أحدها والذي لا يزال عالقاً بذهني وهو ليس بعيد فحين استولت دولة ضعيفة وفقيرة وحديثة النشأة هي اريتريا على الجزر اليمنية وأسرت حماة وطننا المدافعون عن هذه الجزر لم نعترف حينها بالهزيمة وبأن هناك خللاً واضحاً في بنيتنا الدفاعية والعسكرية يجب إصلاحه .. بل هربنا عن ضرورة الاعتراف بعجزنا العسكري وأطلقنا إشاعة بأننا نواجه إسرائيل بقوتها وجبروتها التي تقف وراء دولة اريتريا، ولو كنا نواجه اريتريا بمفردها لمسخناها عن الخريطة .. لكن حكمة القيادة السياسية أبعدت عنا هذا البعبع المخيف بحنكتها وذكائها السياسي الخارق ، وقس على ذلك حتى في المسابقات والمنافسات الرياضية والأدبية والشعرية دائماً كلما أخفقنا سارعنا بتعليق أخطاءنا على لجان التحكيم بدلاً من أن نوجه النقد لأنفسنا ونبحث عن حقيقة المشكلة .، وهكذا كما سبق وذكرت لكم نحن أمام ثقافة المبررات والشماعات التي أفلح حكامنا في غرسها فينا، وهنا يكمن جوهر المؤامرة الكبرى التي يهدف حكامنا من خلالها تسطيح عقولنا وإفراغها من محتواها وبرمجتها بما يلبي منافعهم الشخصية البحتة وبقاءهم أكثر فترة ممكنة في كرسي السلطة .
لكل ما سبق فإني أخاطب العقلاء وهم بكل تأكيد قلة في وطننا وأناشدهم بأن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية الوقوف في وجه الزيف والعمل على كشفه وتعريته والبحث والتحري في الأسباب الحقيقية والجوهرية في كل مشكلة تواجهنا في هذه الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق